استيقظت العجوز صباحا فزعة علي صوت جلبة عالية في حجرة الاغنام فاسرعت الي حجرتهم خائفة في ترقب , فوجدت (يوسف) وقد ربط الاغنام جميعا ببعضها وحينما انتبه لوجودها قال لها معتذرا: عذرا اذا كنت قد سببت لك ازعاج في هذا الوقت الباكر لكني قد عثرت علي هذه الاحبال في الحجرة قبل انصرافي ففكرت لو ربطت الاغنام بها حتي يسهل عليك السيطرة عليهم .
شكرته العجوز بحرارة وظلت تدعو له كثيرا ثم احضرت له المعطف واعطته اياه قائلة :خد هذا المعطف حتي يقيك برد الليل القارص فكنت قد حكته بيدي لولدي الوحيد ثم هجرني منذ فترة طويلة ولا اعتقد اني سأراه مجددا .
تناوله منها وابتسم لها ممتنا ثم تابعته ببصرها حتي حمل متاعه وانصرف...
استكمل ( يوسف ) رحلته الشاقة ولا زال حلم الثراء يرواده يهون عليه مشقة السفر , فاذا شعر بالارهاق وضع رحاله وجلس يأخذ قسطا من الراحة , وحينما يحل الليل ينصب خيمته الصغيرة ويسقط في نوم عميق ويتكرر حلمه المعتاد كل ليلة ...
وبينما هو يسير مستكملا رحتله فاذا به يلمح رجلا يهبط من اعلي جبل ليدور حوله ويحضر بعض المتاع من مكان ما جانب الجبل ليعود ليصعد الي القمة ويضعه في كهف هناك .. فاستعجب حال هذا الرجل غريب الاطوار وتسائل في نفسه ماذا يفعل أيمكن أن يكون الرجل يسكن هذا الكهف ؟
اقترب اكثر محاولا استكشاف حاله حتي انتبه له الرجل وحدجه بنظرة غاضبة قائلا : ماذا تفعل هنا .. ماذا تريد ؟ اياك ان تقترب خطوة واحدة من الكهف .. حاول ان تفعل هذا وسأغرس هذا السيف في عنقك .
واخرج سيفه واخذ يلوح به في وجهه بتحفز هنا توقف ( يوسف ) واجابه بفضول حقيقي : لا تخف لن افعل شيئا انني مسافر الي بلدة بعيدة وتعجبت لامرك فجئت استفسر عن حالك.
اعاد الرجل سيفه الي غمده وقال : اذا لا حاجة لك هنا انصرف الان .
شعر يوسف ان عليه الانصراف حقا وان الرجل ليس لديه اي استعداد للحديث فاستدار مكملا طريق .. وبعد ان صار بضع خطوات استوقفه الرجل قائلا : انتظر يا هذا , هل انت حقا مسافر الي بلدة اخري بهذا المتاع كله علي ظهرك ؟
اجابه (يوسف) : نعم وماذا في هذا؟
قال الرجل باستنكار : يبدو انك لا تسافر كثيرا علي هذا الطريق , فالجميع يعرف انه ملئ باللصوص وقطاع الطرق ما ان يلمحوك الا ويسرقون كل ما معك ويقتلونك .
ثم استدار مكملا عمله الا ان ( يوسف) بدا عليه القلق والاهتمام قائلا : انتظر .. ما العمل اذن لابد ان اسلك هذا الطريق ؟
اجابه الرجل : عليك تحمل نتيجة قرارك .
تذكر (يوسف) كلام والده بشأن حب الناس اليه فقال في نفسه يجب ان اساعد هذا الرجل .. تبعه حيث يري ماذا يفعل فوجده يأتي بالمتاع من اسفل الجبل وقد اخفي اثنين من الابل في تجويف صغير لا يري الا اذا كان القادم يعرف طريقه جيدا ثم وجد حصان ايضا بدا انهم جميعا ملكا لهذا الرجل وما ان وصل اليه حتي عرض عليه ان يساعده في نقل متاعه الي الاعلي فوافق الرجل علي عرضه ...
وضع (يوسف) رحاله جانبا واخذ يحمل مع الرجل بضاعته الثقيلة الي اعلي الجبل ولم يجد في نفسه حاجة للحديث ربما لانه يبذل مجهودا ليس بالهين في حمل البضائع واخيرا انتهو من نقل جميع الاشياء الي قمة الجبل بعد عدة سويعات قليلة جعلتها المشقة والتعب تمر كدهر مما جعل يوسف يشفق علي هذا الرجل لاضطراره لفعل هذا العمل الشاق ... وبعد ان انتهوا قال يوسف بحذر : الان علي الرحيل .. لكن ألن تخبرني كيف اتجنب اللصوص ..؟
ضحك الرجل ضحكة كبيرة ثم دعاه لدخول الكهف فتأمله (يوسف) بدهشة .. فقد وجده كهف كبير متعدد الطرقات ولكنه قليل الارتفاع مما اضطره لاحناء رأسه قليلا حتي يستطع السير .. ثم قال الرجل بعد عدة دقائق : هل تعلم لماذا اتحمل هذه المشقة لرفع البضاعة من علي ظهر الابل الي هنا ..؟
نظر اليه (يوسف) بتساؤل فلانت ملامح الرجل وقال بهدوء بعد ان تخلي عن نبرة القوة والتحفز الذي بدأ بها الحديث مع يوسف : انهم اللصوص يابني لو كانت هناك طريقة واحدة لتفاديهم عبر هذا الطريق لكن فعلتها ولكني اضطر لان اتي ببضاعتي كل شهر الي هنا واخبأها في الكهف السري في انتظار احدي القوافل المحملة بالفرسان المؤمنة جيدا التي لا يستطيع اللصوص مهاجمتها ثم ابيع اليهم البضاعة واعود ثانية .
سأله يوسف بفضول قائلا : اذن انت لم تقابل اللصوص مطلقا ؟
فأجابه الرجل : من قال هذا ؟ .. لقد حاولت ذات مرة المرور عبر هذا الطريق الذي تسلكه وقد كدت افقد حياتي فقد هجم علي اللصوص وحاصروني واستطعت بصعوبة ان انجو بحصاني بعد ان تركت لهم كل ما احمله ومع ذلك لم يتركوني فقد ظلوا يعدون خلفي واطلقوا علي السهام وبالفعل اصابوني باثنين ولكني لم امت كما تري ومن وقتها افعل ماتراه الان .
عاد يوسف يسأله : ولكن لماذا يقتلوك الا يكفي ماحصلوا عليه ؟
اجابه الرجل : انهم يريدون ان يقتلوا كل شخص يعلم بوجودهم حتي لا يخبروا الاخرين بشأنهم ويحذروهم منهم .
سأله يوسف مرة اخري : ولكن يجب ان امر من هذا الطريق فما الحل ؟
اجابه : ليس هناك من حل يجب ان تعود من حيث اتيت وتنتظر احدي القوافل القادمة من بلدتك وتتبعها محتميا بها .
ظهرت علامات الاعتراض والغضب علي وجه يوسف فقد بني كل حياته القادمة علي هذا الكنز ولن يستطع الانتظار لشهور او ربما سنوات حتي تمر احدي القوافل .. هنا قاطع الرجل افكاره متسائلا : ولكن لماذا تريد الذهاب الي هذه البلدة ؟
اجابه يوسف : هناك شئ ما يخصني ويجب ان اخذه قبل فوات الاوان .
عاد الرجل ليسأله : اذن انت في عجلة من امرك ؟
اجابه : نعم للغاية .
قال له الرجل مفكرا : لو لم يكن معك كل هذا المتاع ربما يراك اللصوص حينها بلا فائدة فلا يعيروك اهتماما ولكن يظل احتمال ضعيف علي اي حال .
قال يوسف : معك حق .. ربما ايضا ...
لم يكمل حديثه وبدا انه متردد في قوله فسأله الرجل : ربما ماذا ؟
اجابه : ربما اذا كان معي حمولة خفيفة وجواد سريع مثلك فلن يستطيعوا ملاحقتي .
ضحك الرجل قائلا : ولكنك ليس لديك جوادا .. ثم ضحك من جديد قائلا : وايضا قد ينجح المرء في الهرب مرة ولكن ليس كل مرة .
قال يوسف : ولكن علي ان احاول .. هل تبيع الي جوادك ؟
اجابه الرجل بعدم اكتراث : جوادي ؟ لا فهو كل مالدي للعودة من الصحراء سالما .
ففكر يوسف في نفسه : ربما اذا عرضت عليه مبلغا كبير فحين اصل للكنز لن احتاج لبضع من الدنانيير .
ثم قال للرجل : ولا حتي بخمسين دينارا ؟
تعجب الرجل من المبلغ الكبير فافضل جواد لا يزيد ثمنه في السوق عن عشرين او ثلاثين دينار فقال ليوسف : يبدو انك في عجلة من امرك حقا ايها الشاب والا لما كنت عرضت هذا المبلغ الكبير ولكن كما اخبرتك فهو وسيلتي الوحيدة للتنقل في الصحراء .
قال يوسف : لا ليست الوحيدة فلديك اثنتين من الابل يمكنك ان تركب واحدة وتسحب واحدة خلفك اعلم ان الامر سيأخذ الكثير من الوقت لكنك ستعود رابحا اكثر من عشرين دينار فكر في الصفقة .
وقبل ان ينطق الرجل عاجله يوسف : وايضا سأعطيك بعض من المتاع فحينما احصل علي جواد فلن اكن بحاجة لكل هذا المتاع وساختصر الوقت المتبقي لدي ليومين او ثلاثة علي الاكثر .
قال له الرجال : يبدو انك من اسرة كريمة ايها الشاب ولا اعلم ان كان هذا صحيحا ام لا لكني سأساعدك .
فرح يوسف كثيرا بموافقة الرجل وقال له :اذا وفقت في الحصول علي كنزي فسوف اغدق عليك الكثير من الهدايا ولن انسي مساعدتك لي ابدا .
هبطا معا الي المغارة وامتطي يوسف الجواد بعد ان اعطي الرجل الدنانير وهنا قال له الرجل : انتبه جيدا فهذا الجواد سريع للغاية مما قد يسقطك من فوقه ان لم تأخذ حذرك .
وافقه يوسف بإماءة من رأسه وانطلق .. كان الجواد سريعا بالفعل ولكن يوسف تأقلم معه بعد فترة ليست بطويلة ولم يمنعه هذا من تركه يمضي قدما بكل قوته ...
يتبع