حينما تصبح اسير الحب ويداعبك الحنين ليلك ونهارك , تغفو علي صورة الحبيب وتفيق علي صوته كأعذب الالحان والاغاني , ويراودك طوال الليل في احلامك , فلا تشعر ابدا انكما افترقتما لثانية ...
تحيا علي ابتسامات عشقه وتقتلك نظرات الالم والانين في عينيه , تود لو جمعت كل همومه والامه ودفنتها في قلبك حتي تضل الطريق اليه ....
عندما يخطفك الحب الي عنان السماء ويجول بك دروب لم تروادك يوما في خيالاتك , يرافقك شريك العمر جزءا من قلبك وكيانك وكأنما اصبحتما قلبا واحدا , روحا واحدة بجسدين ....
يا ذا الحب الرابض في الاعماق , من أي مكان تأتي وأي نبع يرويك , وأين تستقر بداخلنا ؟
كيف تخطفنا كلماتك وماذا تفعله بنا ؟
لماذا يرتعش جسدي حينما اقول احبك ؟
لماذا تسرق فكري دائما وتسلبني عقلي وما تترك لي الا قلب مجنونا بك؟
لما نخوض دروب الهوي ونحن علي يقين أنها مجهولة البداية والنهاية؟
ولكنها أيضا مليئة بالنور والازهار , والعشق والحنان
بالحب والوفاء, والروعة والخيال !!
تعتذر عيني لأنها تضطر لرؤية وجوه غير وجهك...
و اذناي لانها تسمع اصوات غير صوتك...
و شفتاي لأنها تبتسم الاف الابتسامات بعيدا عنك...
يعتذر لساني لانه يتمتم بكلمات ليست لك وحدك...
تعتذر يداي لأنها تصافح اناس غيرك...
اعتذر عن كل ذرة في مشاعري لم تكن لك...
عن كل كلمة كانت لأحد غيرك...
عن دموع سقطت لم تمسحها اصابعك...
عن كل نظرة تعاطف او حزن او حنان كانت بعيدا عنك...
عن دقات قلبي لم تكن في محيط هواك...
عن كل لحظة عشتها وحدي دونك ...
اعتذر منك ياحبيبي الف اعتذار
فيا ليتني استطعت ان اضع كل شئ لي في قلبك فلا اكون الا لك !!
بذلت مجهودا كبيرا كي تنتصر علي مخاوفها وتلك المشاعر التي اشتعلت بداخلها ...
كانت تختبر تلك الاحاسيس لأول مرة في حياتها , ربما لأنها مرتها الأولي التي تحب بها بصدق , ولأول مرة تشعر الحب بجميع احاسيسه ,,,
بدفئه وأمانه وهدوئه وايضا ناره والامه ...
حاولت ان تضحك ...
ان تصرخ ...
ان تتناسي ...
ان تبكي ...
ان تحذف تلك الكلمة من قاموسها ...
ان تأنب نفسها وتحذرها ان تلك المشاعر كفيلة ان تهدم اجمل بيوت الحب ,,,
كانت علي يقين انها ستكسر جميع مخاوفها اذا استطاعت ان تضغط هذا الزر , ان تبعد نفسها عن كل ما يثيرها ويشعل تلك المشاعر داخلها ,,,
حسمت صراعها وقد اوشكت يدها ان تصل اليه وهنا ادركت ان المشكلة تكمن داخلها فخطت يداها كلمة واحدة ,,
على شعاع الشمس الذهبي الذي اخترق الكوخ الصغير للعم حسن استقيظ من نومه على قُرابة السادسة صباحاً يتثائب بشدة نافضاً عن نفسه تراب الكسل وقام فتوضأ من ماء البحر المجاورللكوخ وصلى الصبح ثم شرع يمارس بعضاً من التمارين الرياضية التى اعتادها يومياً , لم تفعل به الشيخوخة مثلما فعلت مع باقي كبار السن قد تجاوز عمره الخمسين عاماً لكن حين تتأمل ملامح وجهه فلن تعطيه أكثر من خمسة وثلاثين عاماً .
جلس تحت نافذة صغيرة بالكوخ يُكمل قصته التى لم ينتهِ بعد من قراءتها وبجانبه قدح من القهوة قد تلاشى البخار من أعلى الفنجان نظراً لاغراقه في أحداثها وإذا بصوت طرقات عالية فأسرع بفتح الباب فإذا به شاب متوسط الطول يُدعى عادل ذو بشرة بيضاء قد تدلى شعره البُني الناعم على وجهه حتى كاد يحجب الرؤية عنه وإذا به ينادي على عم حسن بصوت عالٍ ...
- صباح الخير عم حسن
- صباح الخير يا ولدي .. كيف حالك ؟
- الحمد لله بخير ...
نظر إليه عم حسن بابتسامة عريضة وسأله : كيف حالُ فتاتك ؟
لعمت عينا الشاب وابتسم مُجيباً :
- قد فعل الورد الكثير والفضل لك يا رسول الحب
قهقه بشدة وأجابه :
- الحمد لله يا ولدي ومتى سيتم زفافك إليها ؟
- قريباً إن شاء الله
استكملا الحديث عن بعض شئون القرية ثم استأذن عادل فسمح له بالانصراف وعاد مرة أخرى يستكمل قصته وتنبه إلى فنجان القهوة الذي تركه لأكثر من ساعة فتناوله جرعةً واحدة وعاد إلى جِلسته التى كان عليها .
وأثناء قراءته للقصة انتابه النوم لبضع دقائق وإذا به قد فزع على طرق الباب وقام يفتح ليجد أمامه رجل كبير السن ينادنونه بالشيخ محمد ذي لحية بيضاء كبيرة بها بعض من الشعيرات السوداء المتناثرة وهو بمثابة أخ أكبر لعم حسن بعد أن قُتل أخوه الذي يصغره بعشرين عاماً إثر قصة حب غريبة من نوعها .
- السلام عليكم يا حسن
- وعليكم السلام يا شيخ محمد .. كيف أصبحت ؟
- الحمد لله بخير ... سامحني يبدو أنني قد أفزعتك من النوم فلا تؤاخذني
- لا عليك يا أخي تعلم أنني أسعد لرؤيتك ؟
- وأنا أيضاً
دخلا الكوخ وأحضر بعض الطعام فرفض الشيخ محمد وقال :
-قد تناولت إفطاري أما أنت فيبدو أنك قد اسيتقظت متأخراً يا رسول الحب ...
ابتسم عم حسن وأجابه :
-لكم سعدتُ بهذا اللقب ... حقاً إنها السعادة بعينها أن تساهم في تآلف قلوب ظلت حائرة ليال طوال .
ثم ترقرقت دمعة صغيرة من عينيه وهو يستكمل الحديث
-رسول الحب مازال يبحث عن الحب ولم يجده حتى الآن !
وضع الشيخ محمد يديه على كتفه وهو يحدثه قائلا :
-صبراً يا حسن ... كل شئ في ميعاده , نسيت أن أخبرك أني قد رأيت خالد أخاك في منامي أمس وقد كان حزيناً بعض الشئ حاولت أن أتحدث إليه لكن لم أستطع
- ليرحمه الله ... كانت قصة حب غريبة حقا وانتهت نهاية أغرب
- بمناسبة الأحلام قد رأيت مناماً منذ قليل
- خير إن شاء الله
- رأيت في الحُلمِ امراءة جميلة ترتدي زيا بنفسجياً وكانت تنظر إلي من بعيد لكن كنت أناديها ولم تكن تسمع ندائي وظللت أنادي حتى طرقتَ الباب .
ضحك الشيخ محمد بملئ فيه :
- يبدو أنني السبب في ذلك قد جئت إليك في وقت غير مناسب ...
ابتسم مجيباً
- ما تفسيرك لهذا ؟
- وهل تحتاج هذي إلى تفسير ؟!
هام قليلاً وانتابته بعض الحيرة والقلق ظهرا أثرهما على وجهه فقال له الشيخ محمد
- يبدو إنك سوف تجدها إن شاء الله
عاد لشروده بعد أن اغلق الباب وراء محمد واستلقي علي الفراش وظل يفكر في كلمات محمد الأخيرة وسبح في حقل من التساؤلات والافكار : هل آن الأوان حقاً ؟ هل سيقابلها اخيراً ؟
لقد عاش طوال حياته يرشد الآخرين كيف يعيشون الحب صحيحاً على أكمل وجه وفي هذه الاثناء كان ينتقي اجمل الصفات من كل من عرفهن حتي صارت في خياله أشبه بالملاك وطفق يبحث عنها بين البشر , ولكن هيهات ... لم يعد بعد ملائكة في صور بشر !
سقط في سبات طويل ولا زالت صورة فتاته في مخيلته وكم تمني لو ظل أسير الاحلام حتي لا يفارقها ثم رآها في ذات المكان بذات الثوب الملائكي حاول أن يقترب منها ولكنها بدت هذه اللحظة أبعد من سفح الجبال وقاع المحيطات فوقف يراقبها من بعيد وهي تتهادي تحت اشعة الشمس مما زادها حسناً وجمالا .
افاق من غفوته علي صوت طرقات من جديد وهو يلعن الطارق وكم تمني وقتها أن يسافر حيث لا بشر تكون , فتح الباب في تكاسل ثم اتسعت عيناه في انبهار ودهشة !!
إنها هي !!!
طالع وجهها الملائكي بلهفة , فلم يحظ برؤيتها علي هذا النحو في أحلامه تسائل في حيرة : هل أنتي هنا حقاً ؟ أمازلت غارقاً في أحلامي ؟
ابتسمت ابتسامة ساحرة اضاءت له الكون وقالت : وهل أبدو الآن خيال ؟!
دخلت الي الكوخ وهو خلفها في آلية ولم يدرِ ماذا يفعل غير أن جلس أمامها علي المنضدة وراحا يتبادلان حديثاً هامساً لم يعلم ابداً فحواه غيرهما !
استيقظ علي خيط من أشعة الشمس تسلل إليه بين الالواح الخشبية المتهالكة ووجد نفسه جالسا أمام المنضدة كيوم أمس , افاق وراح يبحث عنها في كل مكان داخل وخارج الكوخ دون جدوي فجلس يدون اشعاره من جديد في هذا الملاك الذي زاره بالامس!
طرق محمد الباب من جديد فوجده جالسا وبجانبه رزمة من الاوراق المدونة تحوي عنوانا واحداً ... (ملاك زارني بالأمس)
ابتسم محمد مداعبا وهو يقول : يبدو أنك سقطت في أحلامك من جديد .
ابتسم حسن في هدوء قائلا : بل حقيقة !
وراح يروي ماحدث بكل تفاصيله وانصرف محمد من عنده مشدوها بهذه التفاصيل العجيبة , هل لانه كان يساعد الكثيرين في مدواة جروح الحب فقد ساعده كيوبيد كرد لجميل كل هؤلاء البشر فجسد له ملاكا كما اراد ؟!
وفي وقت قصير بدأت البلده كلها تتحاكي عن رسول الحب وملاك الليل التي تزوره كل مساء والعجيب في الأمر أن أحدا قط لم يرها أويعلم من أين تأتي أوأين تسكن ؟!
لكن الجميع بلا شك ممن ساعدهم رسول الحب يتقافزون من الفرحة لأنهم يرون اشراقته كل يوم أجمل من ذي قبل .
والأغرب من ذلك أن حسن لم يطلب منها الزواج كما تمني وكما تمني له الجميع لكنه اكتفي بساعات الليل التي يتبادلان فيها الحديث ثم تتركه يغفو ويسبح في أحلامه ثم يفيق لِيُدون فيها أرق الأشعار وأعذب الكلمات , استمر الحال هكذا وأصبح رسول الحب أسطورة تتداولها الاجيال علي مر عشرين سنة واصبح كوخ الشيخ حسن من الأماكن المقدسة في البلدة .
حتي ذات إشراقة لم يخرج كعادته كي يسقي الورود التي تحاوط الكوخ التي لم ينقطع عن زياتها واهتمامه بها طوال سنواته السبعين علي الرغم من أن قواه قد خارت كثيراً في الآونة الاخيرة لكنه كان يردد دائما : ما ذنب هؤلاء الورود ولِما تَضعُف لِضعفنا وتموت لموتنا طالما لازال لها عمر ؟!
وبعد أن تخلف رسول الحب عن زيارة وروده التي بدت حزينة جداً لانها لم تصبح علي وجهه كما اعتادت , فقرر القليل من سكان البلدة علي رأسهم الشيخ محمد الذي ما إن علم بالامر فهرع فوراً ليتبينوا أمره !
طرق الباب بهدوء ولكنه لم يجد رداً فدفعه أحدهم بقوة ودخلوا وما إن وقعت عيناهم عليه حتى فرت الدموع من عين الجميع إذ وجدوا رسول الحب مستلقي علي فراشه جثة هامدة وقد فقدت عيناه بريق الحياة للابد , والاكثر عجباً أنهم وجدوه محاطاً بالزهور ووجهه يضئ الكوخ بأكمله ووجدوا رُزم الورق موضوعة في كل ركن من أركان الكوخ وقد استقرت بجانبه علي الفراش آخر ورقة دونها بعنوان
(آخر زيارة للملاك)
التقطها أحد شباب البلدة وشرع يقرأها على مسمع الآخرين :
اخواتي وأبنائي الأحباب , عندما تقرأون رسالتي هذه أكون قد فاضت روحي الي بارئها , أعلم أنكم ستجتمعون هنا حينما تعلمون بغيابي فقد عهدتكم ذوات أخلاق نقية صفية , رسالتي اليكم اليوم هي لتعلموا أن الحب لا يوجد به شيء اسمُه المستحيل , فقد كسرت بيدي هذه الكلمة قبل موتي حتي يمكنكم أن تحيوا بالحب وحده دون عوائق , أعلم أنكم ستندهشون حينما تعلمون حقيقة رسول الحب وملاك الليل ولكن هذه هي الحقيقة وإن كنت قد عشت حقيقة أخري رسمتها بيدي ...
ما ملاك الليل الا خيالات ليل , خيالات عقلي وقلبي الذي تمني كل ذرة به أن يجد فتاة أحلامه وتحيا معه ماتبقي من عمره , كان هذا الملاك زائر الاحلام ولكن اقسم لكم أنني ماعشت أصدق من لحظاتي وأتذكر كل كلمة نطقناها سوياً وسترونها مُدونة جميعها في اوراقي الكثيرة التي سأتركها بعد رحيلي , عشت هذه اللحظات احادثها وتحادثني وتتحدثون عنا , هذه هي الحقيقة التي اردت أن أحياها , وقد فعلتها وعشتم جميعا معي اجمل حقيقة , والان وبعد موتي , فقد ماتت معي جميع لحظاتي الخيال منها والحقيقة , ولكن لتتذكروا دائما
ليس هناك شئ اسمه المستحيل , هناك حقيقة واحدة وواحدة فقط هي
أن الحقيقة ما اردناها نحن!
والحب والسلام خير ختام
رسول الحب وملاك الليل ,,
بعد ان انتهي الجميع من مراسم دفن رسول الحب والجميع غارق في سكون الليل والحزن لم يفارق القلوب بعد ولن يفارقه الا بعد مرور العديد من السنين
وقفت فتاة علي أعتاب الكوخ وروت الورود التي تحيط بها وقد سقطت دموع غزيرة علي وجنتيها وبعد ان انتهت انصرفت قائلة : وداعاً رسول الحب .
وكانت تلك الفتاة هي ... ملاك منتصف الليل!!
ظلت الازهار التي تحيط بالكوخ يانعة نضرة والكل يتسائل في حيرة كيف تحيا وقد مات من يرعاها ولكنهم كانوا يتذكروا قول رسول الحب ويكتفون به
وظلت أسطورة ازهار الكوخ وملاك الليل ورسول الحب تتداول عبر السنين .......
عدت الي موطني في عينيك محملة بجبال من الشوق و الالام بعد سفرتي الطويلة في ممالك الاخرين الدامية بالاوجاع !
كلما أشرد بذهني واستقرأ كلماتهم فتسيل دموعي باكية من سخرية ايامنا فأطوف حيري بين عبارة جارحة هنا وكلمة دامية هناك فتستيقظ بقايا الشوق والحنين داخلي تذكرني بما مضي من عمري اتقلب في حنان كلماتهم !
فما اصعب الغربة حينما أشعرها في مملكة كنت يوما بها أميرة ثم اتخذت غيري حاكما لأمرها وودعت أيامي الجميلة الماضية ورأيتهم يعدونني من الاموات !
فتصير الذكريات الجميلة بعد الوداع الما وعذابا فتسكن الالام قلبي وعقلي وتسلبني اجمل النبضات فأسارع والمم اشلاء كياني المتناثر في اراضيهم واعود اليك انزف الدمع عند قلب يذوب الالم بين احضانه وعنده ينشد الوجود اجمل اغاني الأمل والحياة !
شعر برغبة عارمة تجتاح كل خلية في جسده تدفعه لمحادثتها , لا يدري لماذا وجد في نفسه تلك الرغبة بعد شهور طوال لم يسمع صوتها وقد انقطعت عنه كل اخبارها .....
واليوم شعر بحنين جارف يقتله كل ثانية !!
التقط هاتفه بتردد وبذل جهدا كبيرا حتي عثر علي اسمها وسط الارقام الكثيرة المسجلة , فقد بدأ يتلاشي من ذاكرته أي شئ يخصها وحتي الاسم الذي دون به رقم هاتفها !!
ضغط زر الاتصال بعد كثير من التردد , وقبل ان يسمع الرنين اسرع باغلاق الهاتف !!
ثم زفر في قوة وقد اعلن قلبه التمرد والعصيان وابي الاستكانة لارادته ...
التقط هاتفه من جديد باصرار ولكن سرعان ما تلاشي من ملامحه ثم وضع الهاتف بجواره مره اخري وقد اعلن الصراع نهايته قائلا : لابد انها قد نست شئ اسمه حبي السخيف !!
وفي الدقيقة ذاتها كانت تقطع حجرتها جيئة وذهابا ثم استقرت علي فراشها واغلقت هاتفها واطفأت انوار الحجرة هاتفة وسط الظلام الدامس : لابد انه قد ودع ذكرياتك السخيفة !!
ثم سبح كل منهما في نومه والتقيا في احلامهما !!