يحكي انه في زمن ما كانت هناك غابة نائية يسكنها انواع كثيرة من الحيوانات , ومن بين هؤلاء كان هناك طاووس رائع الالوان , ودائما ما كان يزهو بنفسه وريشه الذي يحمل ألوانا رائعة .
ذات صباح كان الجو صحو والشمس ساطعة , وقف الطاووس علي قمة هضبة عالية وسط الغابة يزهو بنفسه وألوانه التي تعكس ضوء الشمس , ومن خلف اوراق شجرة عالية وقفت عصفورة رقيقة كانت تزور الغابة من وقت لاخر وكانت كلما اتت تفرغ مما تريد ثم تقف تراقب الطاووس بالساعات .
كانت تنبهر بشكله الرائع وذيله الجميل الذي يسطع تحت أشعة الشمس بألوانه المختلفة , دائما ما كانوا يحذرونها من الطاواويس وغرورها ولكنها ابت ان تستمع اليهم .
تقف تراقبه من بعيد وكل ما كانت تأمل به هو تلك الساعات التي كانت تراه بها وكم تمنت لو تحدثت اليه ولو بضع كلمات , ولكن لم يتثني لها الفرضة .
ذات يوم لم تري الطاووس في مكانه المعتاد ولم تستطع ان تراه من فوق تلك الشجرة التي تقف عليها دوما , ثم قررت ان تهبط لتبحث عنه .
دارت حول الهضبة عدة مرات ولم تعثر له علي ادني اثر وفجأة سمعت اجمل صوت انساب الي اذنيها يوما , فاستدارت مرتبكة ورأته يقف خلفها بجماله الآسر وشكله المعتاد الذي طالما داعبها في احلامها .
لم تبالي بنظرات الغضب الذي يرمقها اياها واستمتعت بجمال هذه اللحظة التي طالما تمنتها .
فعاد يكرر سؤاله في غضب : لماذا تتبعينني ؟
انعقد لسانها في توتر ثم قررت في لحظة ان تخبره انها معجبة به !
ظنت انه سوف يخجل من جرأتها الغير مألوفة لكنها وجدته ينفش ريشه زهوا اكثر قائلا : أعلم هذا , كل من في الغابة اخبرني هذا من قبل .
التزمت الصمت التام ولكنه ابتسم قائلا : ما رأيك ان نصبح اصدقاء ويمكننا التجول قليلا كما اتيتي الي الغابة بدلا من ان تقفي تراقبينني من بعيد هكذا .
ابتسمت في خجل ولكنها كانت في قمة سعادتها لأنها رأته وستراه عن قرب بل وستستمتع بعده ساعات في صحبته .
مع مرور الايام وكل صباح يتقابلان تأكدت من كذب تلك الادعاءات عن غرور الطاواويس فها هو الان يقف بجوارها ويتحدثان لساعات .
تعلقت به بشدة واحيانا كانت تعتقد انه يبادلها الاحساس ذاته فقد اخبرها ذات مرة انها اصبحت جزء منه , ولكنها لا تدري لماذا كان يخفي هذا دائما بعد نطقه بدقائق وكأنه نادم علي ما قاله , ولكنها لم تبالي فقد كان قلبها يرقص طربا كلما تقابلا ودائما ما كانت تردد علي مسامعه كم هي مبهوررة بجماله وكان هذا يزيده زهو وغطرسة ولكنها لم تأبه لهذا طالما هو معها .
ثم بدأت يخلف موعده معها , لا تدري لماذا كان يتخلف عن موعدهما , احيانا يتأخر ثم يتعلل بكسله في الحضور أو انشغاله الدائم واحيان اخري لا يحضر مطلقا , تقلبت كالمحمومة وهي تبعث عن سر هذا التحول تجاهها .
ثم قررت ان تراقبه وبالفعل ذهبت خلفه بعد موعدهما الذي اجابه اخيرا بعد عده مرات من انتظارها له دون ان ياتي .
فتقطع قلبها عندما رأته يسير بجانب طاووسة اخري رائعة الحسن والجمال , عادت من حيث اتت والدموع تملئ مقلتيها وظلت تعاتب نفسها كثيرا , بالطبع ان يعجب بطاووسة رائعة الجمال مثله ولا ينظر لمجرد عصفورة مثلي .
يوما كانت تراقبه كعادتها ولكنه نظر اليها مباشرة ودعاها للحديث معه وما كان منها الا ان اجابت ندائه وهبطت اليه .
اخبرها انهما كانا قد اتفقا ان يصبحا اصدقاء وانه الان غارف في حد اخري , تركته وانصرفت بعد ان طلب منها ان تخرج من حياته الي الابد .
وبالفعلت لبت ما اراد واحتفظت ببقايا قلبها الجريح وذهبت , ودعت الغابة وغابت عنها لشهور طوال .
كان هناك عصفور صغير دائما ما يطلقون عليه العصفور الحزين لان عينيه دائما كانتا تحمل الحزن , وكان وراقب تلك العصفورة الرقيقه وكم احزنه ان تعشق مثل هذا الطاووس الجارح المغرور من فصيلة غير فصيلتهما وبعد عذاب كثير قرر ان يذهب ليبحث عنها .
وجدها ذات يوم حائرة تحلق فوق الغابة وكأنها تمنع نفسها من الهبوط , اقترب منها وجدها تبكي وكأن دموعها خناجر في قلبه .
قربه منها داوي عنها الكثير والكثير , ولكنه ابدا لم يملك الشجاعة ليصارحها بحبه لها وبعد ان شعر بتحسن حالها تركها وعاد لدياره , وكم احزنه انها لم تمناع ولم تطلب منه المكوث معها فترة اخري , فقط اكتفت بالشكر وتركته يذهب .
احست حياتها خالية خاوية دونه وكأنه اصبح مخدرها ووسيلتها للنسيان وهي لن ترضي له هذا الموضع ابدا , وقررت الاحتمال حتي لا تتسبب في جرحه .
اشتاقت اليه ذات صباح من جديد وكان الاشتياق له مذاق خاص هذهالمرة فقد تذكرت كيف كان يعاملها وكيف قضوا ايامهما معا , ولاول مرة لم تتبع اسلوب المقارنة بينه وبين الطاووس ووقتها علمت انه بالفعل ترك شيئا دخل روحها او انه قد اخذ جزء منها ,فقررت ان تهيط للغابة من جديد واعتبرتها فرصة لاختبار مشاعرها تجاهالطاووس وكيف ستشعر حينما تراه ؟
وذهبت لمكانه المعتاد ورأته كعادته يقف فى اشعة الشمس ولكنها وجدت فى عينيه دمعة حزينة حارت فى تفسيرها وقتها او انها لم تكترث بها .
وفى كبرياء مجروح قال لها : الم اخبرك اننى لا اريدك فى حياتى بعد الان , اعلم انك لازلتى تحملين شئ لى بداخلك ولكن يجب ان تعلمى ان هذا كله وهم فانا لا احبك .
نظرت اليه بسخرية قائلة : كم اشفق عليك من نفسك , انت لم تعد فى قلبى بعد الان , غرورك هو الذى صور لك هذا.
ثم جاء اليهما عصفورها الرقيق وحينما وجد تلك النظرة فى عينيها علم انها تخلصت من تعلقا بالطاووس الى الابد وفى ارتياح غامر قال لها : كنت اعلم انك ستأتين قلبى لم يخدعنى مطلقا .
نظرت اليه فى حنان قائلة : هيا بنا لنرحل من هنا , لم يعد لنا هنا اية بقايا .
حلقا معا فى سماء ملؤها بالحب ثم القت نظرة مشفقة على الطاووس الذى منعه كبرياءه ان يخبرها انه يحتاجها وبشدة بعد ان تركته الطاووسة لاجل اخر !!
وبرغم هذا كله لن يترك الطاووس غروره وكبرياءه ابدا وسيظل رمزا له طالما استمرت الحياة!!!!
تمت
30-9-2010
7:00p.m